السوق السوداء للطباعة وأثارها الأمنية والإقتصادية على السعودية


وأنا أتصفح السناب شات اليوم  أطلعت على حساب المبدع الإعلامي/ فيصل العبدالكريم الذي أشتهر بتغطياته الإعلامية لمداهمت وزارة التجارة على المنشأت التجارية المخالفة وكذلك الدور التوعوي الذي يقدمه للمستهلك عن المنتجات المغشوشة تجارياً، وتغطيته اليوم كانت لأحدى المطابع المخالفة التي عرفت بطباعة وتزوير الإغلفة للعلامات التجارية وكذلك بطباعة المطبوعات المخالفة والغير  مرخصه أعلامياً،  وسوف و إدراج لكم مقطع المداهمة أخر المقالة لتتطلعوا على مدى ما توصلوا إليه هذه العصابات المخالفة من إمكانيات في التزوير والغش التجاري.

منذ فترة وانا ارغب في الكتابة عن موضوع السوق السوداء للطباعة وهذه المداهمة التي قامت بها وزارة التجارة كانت هي الدافع لكتابة هذه المقالة والتي سأتطرق فيها كيفية نشوء هذه المطابع المخالفة ومدى تأثيرها على الجانب الأمني والاقتصادي والاجتماعي.

أولاً تصنيف المنشأت المخالفة لانظمة المطبوعات:
  1. التستر التجاري حيث تعتبر هي أكبر سبب لظهور مثل هذه المطابع المخالفة، وهذا يعود أن المالك الأساسي لهذه المطبعة المرخصة يقوم بتأجيرها بالكامل لعماله محددة، وهي بدورها تقوم بتشغيل المطبعة وفي نهاية الشهر تقوم بتسليم الإيجار للمالك دون أن يكون هناك أي اشراف مباشر  منه، وفي بعض الأحيان المالك يكون شريك معهم في الأرباح، علمآ أنه مهما كان المبلغ الذي يسلم للمالك ضخماً كان أو قليلاً  فأنه بالنهاية المبلغ لا يقارن مقابل ما يتم جنيه من أرباح ضخمة تحققه هذه العمالة خاصة إذا كانت تعمل في إنتاج المطبوعات المخالفه أو المزورة.
  2. المطابع الغير مرخصه وهذه المطابع منتشرة للأسف بأغلب مناطق المملكة، وهذه المطابع تحترف أكثر في عملية التزوير وطباعة المطبوعات المخالفة وذلك بسبب غيابها عن عين الرقيب، على سبيل المثال ما ستشاهدونه في الأسفل لمقطع مداهمة وزارة التجارة لأحدى هذه المطابع المخالفة، وهذه المطابع تسيطر على نسبة من السوق تعتبر مؤثرة إقتصادياً على المطابع المرخصة. وسأوضح ذلك بالتفصيل في المقالة حيث أنه هي محور حديثنا.
  3. محلات التصوير وخدمات الطالب تندرج من ضمن المطابع المخالفة للأنظمة وهي من المنشأت التجارية المؤثرة أيضاً في عملية  الفوضى الحاصلة في المطبوعات المخالفة، والسبب في ذلك أن إنتاجيتهم من المطبوعات سريعة لا تخضع للرقابة مثل المطابع  المرخصة والتي تعمل وفق إجراءات وضوابط أكثر مهنيه في أخذ الموافقة على مطبوعاتها، وللأسف العمالة المخالفة تستغل هذه النقطة من خلال عملها في هذا المجال.

ثانياً  كيفية تنشأ المطابع الغير مرخصه:
  1. الموقع. وفي الغالب أن مثل هذه المطابع تنشأ بأي مكان من دون أن يكون تتقيد بالضوابط التجارية وتراخيص الأمن والسلامة للمنشأه، بعكس المطابع المرخصة التي تتبع هذه الضوابط لكي تعتمد كمطبعة، وغالباً تجد المبانى التي تستخدمها هذه المطابع في المنازل السكنية أو المزارع أو الاستراحات. وأحياناً يكون هناك تواطأ من قبل صاحب المبنى حيث يكون لديه علم بأنه هناك عماله مخالفة تستغل مبناه للقيام بأعمال غير مرخصة ولا يقوم بالتبليغ.
  2. بيع المعدات القديمة والتالفة. تعتبر هذه أحدى أهم الروافد للمطابع المخالفة حيث أنهم يقومون بشراء المطابع القديمة أو التالفة من المطابع المصرحه والتي تكون مستعدة لبيعها مقابل التخلص منها والاستفادة من مبلغها خصوصاً إذا كانت الألات قديمة جداً. وأحياناً يتم شرائها من قبل بعض الموردين للألات المستعمله أو أحياناً من قبل بعض مندوبي المبيعات الذين يكونوا وسطاء بين المطابع الرسمية والمطابع المخالفة.
  3. المواد الأوليه. بعضها يشترى من الموردين أو من المطابع المصرحة والتي عادة تكون بسبب أن هناك علاقة تجارية مشتركة بين العمالة في المطبعتين وفي الغالب يكونوا من نفس الجنسية، والأمر الأخر هناك بعض الموردين بالأساس لا يتعامل مع المطابع المخالفة إلا في حالة واحدة في بيع المواد الأولية المنتهية الصلاحية هنا يتم تصريف هذه المواد للمطابع الغير مصرحة لأنه سوق الطباعة المصرح لا يقبلها.
  4. العماله السائبه والمخالفة. هؤلاء بحكم لا يوجد عليهم رقابة ومتابعة من قبل كفلائهم أو لهروبهم فأنهم يعتبرون القوة البشرية الرئيسية في تشغيل هذه المطابع.
  5. بعد كل هذه النقاط نستنتج أن إنشأ المطابع الغير مصرحة لا تحتاج إلى رأس مال كبير إذا ما قارناها بالمطابع المصرحه مما يجعلها أمراً سهلاً للعماله المخالفة.
الأن سأورد لكم بعض القصص التي مرت علي عن المطابع المخالفة.
  • في أحدى زيارتي لأحدى أكبر معارض الطباعة بالعالم، دعتني أحدى الشركات المنتجة لألواح الطباعة للإجتماع معها وزيارة جناحها وذلك عن طريق موردها بالسعودية، بينما نحن بالإجتماع دخل علينا شخص من الجنسية الأسيوية ومعه مرافق من نفس الجنسية وإذ بمندوب الشركة الموردة يقوم ويرحب ترحيب حار بهذا الرجل وأجلسه بالطاوله التي بجانبي وجلسا يتحدثان عن بعض الأمور المتعلقة في العلاقة التجارية التي بينهما، وبعدها ذهب الرجل ومرافقة ورجع المندوب إلي وأنا أسأله ما سر هذا الترحيب بهذا الرجل، أخبرني أن هذا الرجل يعتبر من أهم عملائهم حيث يعتبر المنقذ والمخلص لهم لأنه يقوم بشراء جميع ألواح الطباعة والمواد الأولية للطباعة منتهية الصلاحية ومنها يقوم هو بإستخدامها لإنتاج مطبوعاته، طبعاً هو يقوم بشرائها بسعر رخيص أقل من سعرها الأساسي وهذا بدوره يجعل سعر مطبوعاته أقل من سعر السوق.
  • تعرفت على شخص مقيم بالسعودية عن طريق زميل لي ودار حديثاً بيننا وسألته عن وظيفته وأخبرني أنه مصمم قرافيكي ويعمل لحسابه الخاص حالياً، وسألته كيف يقوم بطباعة مطبوعاته لعملائه وأبلغني أنه يتعامل مع مطبعة في أحدى المنازل السكنية ويديرها شخص من جنسية عربية، وأن هذا الشخص لا يستطيع أن ينجز مالديه لكثرة الأعمال التي تأتيه وأنه أحياناً يكون هناك تبادل منافع بينه وبين مطابع مرخصة لتغطية بعض الأعمال فيما بينهم.
    ولدي قصص غيرها ولكن هاتين هي أبرزها، وكما قرأتم وتبين لكم أن هناك سوق سوداء للمطابع وأنه هناك تواطأ من قبل بعض التجار والمطابع الرسمية في التعامل فيها، علماً أن الجهات الرقابية لا تتوانى في عملها للبحث عن المطابع المخالفة ومحاسبتها ولكنها ما تلحق كما نقول بالعامية.

ثالثاً ما هي الأثار السلبية:
  1. المطابع المخالفة تعتبر من أهم العوامل المؤثرة على الأمن الوطني وذلك عن طريق تزوير المستندات الحكومية والرسمية ويمكن أن تستغل أراهبياً.
  2. ظهور مطبوعات مخالفة قد تحمل أفكار مخالفة للشريعة الأسلامية أو لسياسة وأمن البلد.
  3. أقتصادياً وهنا بسبب المنافسة بالأسعار الرخيصة التي تقدمها المطابع المخالفة على المطبوعات وهذا بدوره يؤثر على ربحية المطابع المصرحة.
  4. إجتماعياً تكثر العطالة لمن يحملون شهادات مهنية بالطباعة والأعمال الأخرى ذات العلاقة بها.
  5. الهدر المالي للمستهلك وذلك عن طريق مطبوعات ذات مواصفات رديئة  وأيضاً في شراء المنتجات المقلده.
  6. حوالات الأموال خارج المملكة والتي غالباً تتم بطرق غير شرعية ولا يتم الإستفاده من هذه الأموال داخل العجلة الإقتصادية.
  7. التلوث البيئي لعدم مراعاة مثل هذه المطابع لقوانين الأمن والسلامه وأيضاً أحتمالية حدوث الحرائق بسبب ذلك.
  8. في حال إستخدام مواد رخصية أوغير مرخصة أو منتهية الصلاحية لإنتاج المطبوعات فأن هناك أثار جانية صحية على المستخدم بإنتقالها عبر الجلد أو إستنشاق المواد الطيارة منها عبر التنفس أو دخولها للجهاز الهضمي عبر الأطعمة التي تستخدم المغلفات المطبوعة.

رابعاً الحلول لحل هذه المشكله:
  1. سعودة قطاع المطابع وهذا يشمل حتى الشركات المورده، ويفضل توعية العاملين بهذا القطاع لدورهم الأمني أثناء دراستهم المهنية ويفضل أن يعمل تزكية أمنية لهم قبل التوظيف.
  2. الإهتمام على الجانب التدريبي في تخصصات الطباعة من قبل المؤسسات والمراكز المهنية حتي تلبي حاجة سوق العمل في توفير الكواد السعودية المؤهلة وتوظيفهم والإستغناء على العمالة الأجنبية. 
  3. تفعيل الرقابة بشكل أكبر على المطابع وتكثيف الحملات الرقابية ووضع لوائح وأنظمة حديثة للمطابع والمطبوعات يوضح فيها قوائم المخالفات والعقوبات.
  4. ذكر أسم المطبعة على المطبوعات وذلك لتوثيق أن المطبوعة من إنتاج جهة مرخص لها ومحاسبتها في حال المخالفة.
  5. منع الشركات من بيع مواد الطباعة المنتهية الصلاحية سواء للمطابع الرسمية أو المخالفة.
  6. منع بيع المعدات القديمة أو التالفة إلا بتصريح رسمي وتسجيل بيانات المشترى للأله لدى الجهات المختصة.
  7. وضع مواصفات ومقاييس لدخول الألات المستعملة للسعودية وأن تسجل بأسم المشتري لدى الجهات المختصة.
  8. إنشاء جمعية للمطابع والمنتجات الورقية ومنها يتم وضع مواصفات ومقاييس محلية للمطبوعات.
  9. توعية المجتمع عن الغش التجاري وعن المطبوعات الغير مصرحة والمخالفة وتحفيز الإبلاغ عنها.
  10. أغلاق مراكز التصوير وخدمات الطالب التي تمارس أعمال المطابع بدون ترخيص عمل مطبعة.
في الختام سوق الطباعة يعتبر قطاع صناعي مهم ويصنف في بعض الدول كثالث أكبر فطاع صناعي لديها، ولا يمكن أن نجد أي منتج في العالم إلا والطباعة جزء لأحدى مراحل إنتاجه، لذا فهي ثروة أقتصادية  لا يستهان بها وتعود بنفعها على أقتصاد الوطن وعلى المواطن و تتيح لهم فرص عمل وأفاق إستثمارية، إضافة إلى أن الطباعة تعتبر علم وفن من الفنون الحافظة للعلوم الأخرى ومنها ننقل العلم وننشر ثقافتنا ونتواصل بها مع الحضارات الأخرى، كما أن الطباعة تجدها حاضره في جميع تعاملاتنا اليومية، فتجدها حاضره من أول يوم بحياتنا بأصدار شهادة الميلاد وحاضره في أخر يوم من حياتنا بإصدار شهادة الوفاة ( أطال الله بأعمارنا وأعمراكم). لذا فأن المطابع المخالفة تعتبر تهديد أمني وقومي يجب أن يأخذ أمرها على محمل الجد وأن لا نتوانى على معاقبة هؤلاء المخالفين والقضاء عليهم بأسرع وقت ممكن، ولا ننسى أن أشكر جميع الجهات الحكومية والرقابية وخصوصاً وزارة التجارة على ما تبذله من مجهود للقضاء على المخالفين للإنظمة التجارية، وكل الشكر للبطل فيصل العبدالكريم على ما بذله من وقت ومجهود ليستعرض لنا مجهودات هؤلاء الأبطال وكيف أنهم يعرضون أنفسهم للمخاطر مقابل حماية المستهلك. وأدام الله على بلادنا وبلاد المسلمين نعمة الأمن والأمان.

كاتب المقال/ محمد الحمود - مختص في الطباعة وتقنياتها




تعليقات

  1. موضوع حساس جدا جدا وذو أهمية عاليه ويحتاج وضع تنظيم وضوابط وتحقق ومتابعه. شكرا اخ محمد الحمود. وشكرا لجهود الأخ فيصل.

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ملخص دورة مؤشرات قياس الأداء KPI

شرح مبسط عن الطباعة الغائرة (Gravure)

ترقبوا قريباً ملخص دورة مؤشرات الأداء KPI